السبت، 5 مارس 2011

كيمياء النقود

هو ذاك عديل الروح هو وقود بعض الناس فيقودهم الى الدرك الاسفل، فالمُرديان بالحياة هما المال والأمل، ومن ينشغل بهما لم يعرف ما المُنجيان وهما العلم والعمل، لذلك انجح الاشخاص في المجتمعات هم من كان وقودهم المنجيين، فكيمياء النقود عندما تتفاعل مع شهوة الإنسان مع غياب المنجيين يجري بدمه هرمون النقود بين كرات الدم البيضاء والحمراء، فهرمون النقود يُسير الإنسان الى تقديسها وتصبح هي الشغل الشاغل له ليفقد لذة العلم والعمل، فممكن ان يكون كسب النقود بطريقة مشروعة لكنها تصبح هم واولوية الإنسان وغاية في حياة لا وسيلة، وتلهيه عن ذكر الله- عز وجل- سواء بالعبادة أم بالعمل الصالح، وذاك الهرمون يخل بميزان النظرة العادلة للمجتمع إلى أن ينكسر ذاك الميزان، فنلاحظ تقسيم الناس الى فئات وطبقات يتوجه التقدير والإجلال لنقود تلك الفئة لا لذواتهم ولو بقي الامر على هذا الحال لكنا في نصف «قضية مجتمعية»، الا أنها تكتمل حين تفقد فئة الاخرى وقارها للسبب ذاته، فكيمياء النقود تجعل بعض الناس يغفلون عن أخطاء من يجلون بسبب وجود النقود الى ان تستفحل اخطاؤهم وتكثر المشاكل في المجتمع، وهذة جريمة مجتمعية، بل وتجعلهم مجرمين في المجتمع، القانون لا يجرم تلك الأفعال الضارة بالمجتمع، فليس هناك عقوبة لاحترام إنسان وضيع، او عدم الاكتراث بالشرعية المجتمعية للسلوك، لكن هناك أعراف وتقاليد التي أيضا تحكمها العدالة التي يميزها الإنسان حتى ولو كان وحيدا في الفيافي لا اجتماع له، لكن تلك طبيعة النفس وهي أمارة بالسوء، تغفل عن عذابها بلحظة فيمتد شريط الآمال والأحلام الوردية التي تسكر الإنسان، فهذا فيروس اجتماعي ينشط بسبب هرمون النقود، فتعسا لتلك المعادلة الكيميائية الشاذة غير الموزونة التي تقلب الباطل حقا، ولكن يزداد كمال المنجيين في وقت ازدياد المرديين سوادهما، كما نور البدر في الليلة الظلماء، فالعلم والعمل يوصلان إلى المال بطريقة شرعية وبلذة أكثر الا ان النظرة للمال تكون دونية وممتزجة بالتواضع وتقدير للذوات لا للحسابات البنكية، فبالمنجيان يتحقق أعمار المجتمعات اعمارا حقيقيا دائما ماديا ومعنويا، حيث المبدأ السليم الذي بٌوصل إلى زينة الحياة «المال» مبدأ راق لا أنانية فيه، يرتقي بالنفوس والبُنيان ، كما أنه ممزوج بحب الخير للجميع والنظر إلى إله العالمين نظرة المحتاج إلى الكريم، فتنطلق المجتمعات لأن بالعلم والعمل يتم التقرب لله- عز وجل- لما فيه من خير للبلاد والعباد، فيا مفني العمر في عصيان خالقه أفق فإنك من خمر المرديين ثمل!
جدير بنا أن نذكر مثالا دارت واجتمعت عليه الأضداد، ليقتطف كل منهم ثماره، فموقف «سفير الحسين» مسلم بن عقيل بن ابي طالب عليه السلام- أجدر بالطرح والتحليل، عندما وقف وحيدًا فريدًا عند منزل امرأة يقال لها طوعة التي اسقته الماء ثم سألته للذهاب فكان رده أن لا عشيرة ولا منزل له في الكوفة فاستضافته في منزلها الآخر بعد علمها انه سفير الحسين وعلمها أيضا انها قد تتعرض للسجن أو للإعدام، ووجود جائزة لمن يسلمه إلى السلطان، فتلك طوعة طاوعتها نفسها «للمنجيين» في سبيل المساعدة لتوصيل رسالة الإمام الحسين عليه السلام، أما من قاتلة بعد ذلك فكان هدفه جائزة السلطان والتقرب والتودد إليه، كان هدفه ذاك العرش والتاج، فالحق والباطل واضحان واثرهما على المجتمع، بين عمل بدايته سقاية العطشان واستضافة الغريب، وبين القتل ولو على حساب الدين الذي هو أساس المجتمع، فالمال يعمي البصيرة، لذلك لا سبيل عن التثقيف الديني للمجتمعات التي ترتقي بعقولها لمرحلة لا يمكن أن توصلها الدراسات الاجتماعية وحدها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق